العالم العربي والسلاح النووي: بين الواقع والاحتمال
تقرير استراتيجي | 15 يونيو 2025
في الوقت الذي تستمر فيه القوى الكبرى في تحديث ترساناتها النووية، وتتنافس دول كالصين وروسيا والولايات المتحدة على تعزيز "الردع النووي"، يثير غياب الدول العربية عن نادي الدول النووية تساؤلات كثيرة. فبين التزامات بمعاهدات دولية، وطموحات أمنية معلنة أو ضمنية، يقف العالم العربي في منطقة رمادية من حيث السلاح النووي.
فما هو واقع العرب في ملف التسلح النووي؟ ومن يملك القدرة التقنية؟ ومن يقترب من “العتبة النووية”؟ وهل يمكن أن نشهد تغيرًا جذريًا في السنوات القادمة؟
🛑 لماذا لا توجد دول عربية نووية رسميًا؟
أغلب الدول العربية موقعة على معاهدة عدم الانتشار النووي (NPT)، والتي تمنع الدول غير المالكة للسلاح النووي حتى عام 1967 من تطويره أو امتلاكه. ووفقًا لوكالة الطاقة الذرية، لا توجد دولة عربية تمتلك سلاحًا نوويًا حتى اللحظة، رسميًا أو غير رسميًا.
لكن هذا لا يعني غياب الطموح أو البنية التحتية، بل هناك دول عربية تملك قدرات نووية مدنية متقدمة، وأخرى صرّحت باحتمالية السعي إلى التسلح النووي كخيار استراتيجي.
🇸🇦 السعودية: بين التهديدات والتقنية الناشئة
-
الوضع الحالي: لا تمتلك المملكة برنامجًا نوويًا عسكريًا، لكنها أعلنت مرارًا أنها "لن تقبل أن تمتلك إيران سلاحًا نوويًا دون رد".
-
القدرات: السعودية بدأت بتطوير برنامج نووي مدني بدعم من الصين وكوريا الجنوبية، وتملك الآن أول منشآت تخصيب محدودة، مع خطط لبناء مفاعلات كبيرة.
-
تحليل: قد تكون أقرب دولة عربية إلى "القدرة النووية الكامنة"، بمعنى أن تطوير سلاح نووي ممكن فنيًا خلال سنوات في حال اتُخذ قرار سياسي بذلك.
🇪🇬 مصر: الريادة النووية القديمة... والتأخير العسكري
-
الطموح النووي المصري بدأ منذ الخمسينات، وكانت من أوائل الدول النامية التي دخلت المجال النووي لأغراض البحث.
-
الوضع الحالي: تعمل مصر على بناء محطة الضبعة النووية بالتعاون مع روسيا، ضمن أهداف مدنية.
-
القيود: رغم القدرات البشرية والفنية، لا توجد مؤشرات رسمية أو استخباراتية على وجود برنامج نووي عسكري.
-
تحليل: موقع مصر الجيوسياسي وقوتها العسكرية التقليدية يجعلها من أبرز المرشحين نظريًا، لكن الالتزام السياسي بمعاهدة NPT ظل ثابتًا حتى الآن.
🇩🇿 الجزائر: قدرات علمية.. بلا أبعاد عسكرية
-
تمتلك الجزائر مفاعلين نوويين للأغراض البحثية (نور وسعيدة)، أحدهما بُني بمساعدة الصين.
-
لم تُسجل الجزائر أي نشاط يثير القلق من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
-
تحليل: رغم قدراتها العلمية، تبقى الجزائر ملتزمة بالتوجه السلمي للبرنامج النووي.
🇦🇪 الإمارات: نموذج سلمي صارم
-
الإمارات تمتلك أول مفاعل نووي سلمي في العالم العربي (براكة)، لكن برنامجها النووي مرتبط باتفاق "الـ123" مع الولايات المتحدة، والذي يمنع تطوير تقنيات التخصيب محليًا.
-
التزام الدولة شفاف وتحت رقابة دولية مكثفة، مما يجعل الانتقال إلى برنامج عسكري غير مرجح تمامًا.
🇱🇾 ليبيا: التجربة التي أُجهضت
-
في أوائل الألفينات، اعترفت ليبيا بأنها كانت تسعى لتطوير برنامج نووي سري بمساعدة شبكة عبد القدير خان (باكستان).
-
بعد الضغوط الدولية والغزو الأمريكي للعراق، تخلت طرابلس عن مشروعها وسلمت كامل البرنامج في 2003.
-
تعتبر هذه الحالة الوحيدة لدولة عربية اعترفت بمحاولة بناء سلاح نووي ثم تراجعت عنه بالكامل.
🕵️♂️ ماذا عن برامج سرية محتملة؟
-
لا توجد أدلة موثقة على أي برنامج عربي نووي سري نشط حاليًا، لكن بعض التقارير الغربية تشير إلى "اهتمامات استخباراتية" في عدة دول، خصوصًا في ظل تصاعد تهديدات إيران النووية.
-
دول مثل السودان أو العراق كانت لها برامج بحثية توقفت بفعل الحروب أو العقوبات.
🌐 موقع إسرائيل.. وتأثيره على الحسابات العربية
الوجود النووي الإسرائيلي (غير المعلن رسميًا) يُعتبر أحد أبرز دوافع التفكير الاستراتيجي العربي في هذا المجال.
الخلل في ميزان القوى الإقليمي يدفع بعض النخب العسكرية العربية إلى إعادة تقييم مسألة "الردع المتوازن"، خصوصًا في ظل انسحاب أمريكي جزئي من المنطقة، وتصاعد التوترات الإيرانية.
📊 من يملك "القدرة النووية الكامنة" عربيًا؟
الدولة | مستوى التطوير المدني | الخبرات البشرية | احتمالية التحول العسكري |
---|---|---|---|
السعودية | متوسط – تحت التطوير | مرتفع (تدريب خارجي) | مرتفعة نسبيًا |
مصر | متقدم بحثيًا | مرتفع | متوسطة |
الإمارات | متقدم تقنيًا | مرتفع | منخفضة جدًا |
الجزائر | متوسط | متوسط | منخفضة |
العراق/ليبيا (سابقًا) | متوقفة | غير نشطة | معدومة حاليًا |
⚖️ الخلاصة: العالم العربي والنووي.. طموحات محكومة بالحسابات
رغم التحديات الإقليمية والأمنية، تظل البرامج النووية العربية محكومة بعدة عوامل:
-
التزامات سياسية بالمعاهدات الدولية
-
عدم توفر غطاء أمني كافٍ في حال العزلة الدولية
-
الكلفة المالية والسياسية الهائلة لأي محاولة تسلّح نووي
-
هشاشة بعض الأنظمة السياسية وغياب التوافق الوطني على قرارات بهذا الحجم
وفي المقابل، تبقى إسرائيل وإيران عنصرين محفزين لأي تحول مستقبلي محتمل في السياسات النووية لدول عربية رئيسية، وخاصة في حال تخلخل الردع أو تصعيد المواجهات الإقليمية.
هل تسعى دولة عربية للسلاح النووي قريبًا؟ لا شيء يؤكده حتى الآن، لكن إن حدث... فلن يكون مفاجئًا.